قبل عدة سنوات أُتيحت لي فرصة استخدام ورشة نجارة متكاملة لبضعة أشهر "بضعة ساعات كل يومين" وهي مدة قصيرة جدًا لكنها كانت رائعة.
حيث قال لي المشرف أن بإمكاني صنع ما أريد بشرط أن أجتاز اختبار الدخول وألا أجرح يدي أثناء الجولة في المكان، وكان اختبار الدخول عبارة عن تجميع مشروع صغير جاهز مسبقًا، وحينها اخترت فانوس صغير وقمت بتحسين تصميمه حتى لا يقتصر استخدامه على شموع التسخين الصغيرة، وحتى لا يشتعل عندما تحترق شمعة عادية حتى نهايتها.
ولأنني من محبي المتاهات فقد صممت واحدة خاصة بي منذ عدة سنوات بعدما بدأت أتعرف على طريقة عملها، ووقتها جعلتها متاهة بسبعة مسارات، وقد استخدمتها عدة مرات منذ ذلك الحين.
كما أنني كنت دائمًا أرغب في صنع لوح تقطيع بنقوش، لكنني كنت أظن أنه سيكون صعب جدًا بالأدوات المحدودة المتوفرة لدي في المنزل، حتى بالنسبة للنقوش "العادية"، فقلت لنبدأ الآن.
قبل ذلك بأيام، كنت قد رسمت على ورقة كبيرة تصميم المتاهة التي أريد تنفيذها، وحسبت كمية الخشب المطلوبة بشكل تقريبي، ونظر المشرف ومساعده إلى التصميم طويلاً ثم هزا رأسيهما قائلَين: "هذا غير ممكن، خاصة مع ضيق الوقت وقلة الخبرة، الأمر مستحيل".
كنت قد خططت لعدة أفكار أخرى، لكنها بدت مملة مقارنةً بهذا المشروع، فقلت لهما إنني على الأقل أرغب في المحاولة، وبالفعل انتهى بي الأمر إلى تنفيذ حامل شموع من الإيبوكسي بقشور الجوز، وحامل لوحي للأريكة لزوجتي، وكرة أحجية بسيطة، وأداة مساعدة لصنع مكعب يوشيموتو، وستاند، وكل هذا بينما كنت أعمل على المتاهة، كما جهزت قطعة من شجرة كرز مجوفة عمرها أكثر من 100 عام لصنع سطح طاولة صغيرة.
وفي الأخير قالوا لي: "بإمكانك تنفيذ المتاهة كزخرفة مدمجة داخل سطح لوح خشبي يُستخدم كقاعدة بدلًا من ذلك" حتى أننا ألقينا نظرة على شرائح الخشب القشري المتوفرة، والتي كانت جميلة جدًا بالفعل، لكنني كنت أرغب في تجربة الشيء الحقيقي؛ فاستخدام القشرة الخشبية على لوح تقطيع يشبه إطعام السمك لأسود البحر.
في النهاية، تقرر أن يُسمح لي بالمحاولة، حتى لو فشلت.
جزء لوح التقطيع من المشروع كان سببًا في بعض الليالي التي لم أنم فيها، والكثير من التوتر في ظل شعور شبه مؤكد بالفشل، لكنه كان ممتعًا جدًا في الوقت نفسه.
لذا، إن أُتيحت لك الفرصة لتجربة شيء مشابه "افعلها" فهي تستحق كل هذا الجهد.
كان هناك بعض الألواح الخفيفة من خشب الرماد متاحة للأجزاء الفاتحة وللطرق الداكنة في المتاهة، اخترنا بعض الدرابزينات القديمة من مدرسة قديمة كانت ملقاة في المستودع لسنوات، ربما خشب الساج.
ظننت أن لوح التقطيع الجيد يجب أن يكون بسماكة 3 سم تقريبًا، وأردت أن تكون مسارات المتاهة بعرض 1 سم تقريبًا، لذا قمنا بتقطيع شرائح خشبية بسماكة وارتفاع مقاربين لذلك، مع بقاء حوالي 2 متر من الخشب لكل واحدة، ولم يتبق من الدرابزين ما يكفي للمزيد، لذا لا تفسد وتضيع الخشب.
نظرًا لأن الخشب الداكن كان متوفرًا بشكل محدود، كنت قد فكرت في تظليل نصف خشب الرماد الفاتح لاستخدامه بدلاً من الدرابزين "خشب الساج".
لتلوين الخشب بالأسود "Ebonizing" يمكنك استخدام الأصباغ التجارية، أو ببساطة الشاي الأسود لإضافة التانينات للتفاعل مع محلول الأسيتات الحديدي المعد مسبقًا والمصنوع من الصوف الفولاذي في الخل.
إذا كان الخشب يحتوي على مسام كبيرة "أي أنه خشب مسامي" فإن المحاليل التي تُستخدم في تلوينه ستتغلغل بعمق كافٍ داخل الخشب، وبالتالي يمكن بعد ذلك صقل السطح "تنعيمه" قليلاً لتحسين المظهر، لكن هناك احتمال كبير أن تصل إلى الخشب غير المعالج أثناء الصقل، مما يعني أنك قد تُزيل الطبقة الملونة وتكشف عن الخشب الأصلي.
لذلك أجريت بعض التجارب باستخدام قطع صغيرة من خشب الرماد، الساج، وخشب البيرش الرقائقي، لكنني لم أكن راضياً حقًا عن النتائج، لذا استخدمت الدرابزين بدلاً من ذلك، مع الكثير من القلق بشأن عدم كفاية المواد.
ولتثبيت الأشياء معًا، تم استخدام غراء خشب بسيط وبعض الملاقط بأحجام مختلفة، بالإضافة إلى شريط نايلون لإتمام الشكل الثماني.
لقطع جميع قطع الألغاز الصغيرة، تحتاج إلى منشار يقطع بانتظام بالزوايا التي تريدها وبسرعة، لذلك يعد منشار الزوايا المركب (Compound Miter Saw) جهاز مفيد جدًا.
تركيب العديد من الأقسام الخشبية لتشكيل هيكل متكامل يتطلب بعض الصقل، لذا فإن استخدام درجات مختلفة من ورق الصنفرة مفيد، بالإضافة إلى صاروخ كهربائي لتوفير الوقت.
نظرًا لأن بعض الأجزاء وكذلك اللوح النهائي أكبر من ورقة الصنفرة العادية، فإن استخدام آلة صنفرة حزام كبيرة يمكن أن يوفر الكثير من الوقت، وكانت لديهم آلة بصنفرة قابلة للاستخدام بطول حوالي متر واحد.
لذا، من الناحية النظرية كان بإمكاني تنفيذ جزء لوح المتاهة من المشروع في المنزل، لكن ذلك كان سيستغرق وقتًا وجهدًا هائلين وكان سيخلق فوضى كبيرة.
تم صنع اللوح قبل حوالي عام من القاعدة لذا كان عليَّ العودة إلى أدوات محدودة، ولصنع قاعدة الطاولة الصغيرة وأرجلها كان بإمكاني شراء الخشب والأجزاء الأخرى من المتجر المحلي، لكن لماذا لا أستفيد من الخردة التي أجدها على الرصيف في طريق العودة إلى المنزل؟
لذلك استخدمت شرائح من إطار سرير قديم ذو شرائح خشبية، بالإضافة إلى بعض الغراء وبراغي من رف IKEA القديم، وقطعة غير مستخدمة من بروفايل الألمنيوم لتجميعها معًا.
أولاً: ما هي المتاهة؟
ببساطة هي مسار ملتف ومعقّد بصرياً، يهدف إلى إرباك عينيك وقد يُسبب لك صداعًا إن حاولت فهمه أكثر من اللازم، وفي المتاهة قد تشعر بالتشويش لكنك لن تضل الطريق أبدًا، لأنها تحتوي على مسار واحد فقط، أي أن الدخول هو نفسه الخروج.
وذلك على عكس المتاهة المتشعبة "maze" التي قد تحتوي على عدة مسارات توصلك "أو لا توصلك" إلى هدفك، لذلك فالمتاهة تجمع بين الإرباك والطمأنينة في آنٍ واحد، وهي مثالية للتأمل الهادئ، أو لسباق الأطفال الصاخب عبرها.
تمامًا مثل المتاهات المتشعبة، حيث تأتي المتاهات في جميع الأشكال والأحجام ويعود تاريخها إلى ما لا يقل عن 5000 عام، وقد صُممت بطرق مختلفة عبر العصور، ومن قِبل شعوب متعددة في أنحاء متفرقة من العالم.
ولأن تُعد المتاهات اليونانية الكلاسيكية من أسهل الأنواع في الرسم لذلك قد علّمت أطفالي رسمها عندما كانوا لا يزالون في رياض الأطفال، حيث كان الإغريق عادةً يبدؤون بنمط أساسي يُعرف بـ"بذرة النمط" أربع نقاط على زوايا مربع وخطان يشكلان علامة الزائد في الوسط، ثم يتم توصيل هذه "النقاط" لتشكيل المتاهة.
كما تركوا لنا نمط "المفتاح اليوناني" الشهير وهو نمط متكرر بسيط يُعرف أيضًا بـ"الميمونة"، ويُعد في الوقت نفسه حلاً للمتاهة الكلاسيكية.
حيث تبنى الرومان المتاهات لأنها ببساطة شيء رائع، وقاموا بتكييفها وفقًا لفلسفتهم الخاصة، ففي المتاهات الرومانية تكمن الأهمية في فكرة "المدينة المحصنة" ذات المركز الواضح، وغالبًا ما استخدموا نسخة معدلة من نمط الميمونة "المفتاح اليوناني" وقاموا بتكراره حول المركز عدة مرات لتشكيل المتاهة.
وأخيرًا، أكثر المتاهات تطورًا والذي يمكن رؤيتها على أرضية كاتدرائية شارتر في فرنسا، فهي كبيرة الحجم ويمكن السير فيها من وقت لآخر، كما أنها دائرية الشكل، أما في كاتدرائية أميان فقد استخدموا نفس النمط الأساسي ولكن أعادوا تشكيله ليصبح ثماني الأضلاع، مما يمنحه إحساس مختلف تمامًا.
فـ بعض الناس يفضلون الأشكال الدائرية العضوية، بينما يفضل آخرون الخطوط المستقيمة، ولكن في الأخير الأمر يعود لذوقك الشخصي، فـ إذا سنحت لك الفرصة للمشي داخل متاهة كبيرة في الظلام، ستلاحظ أنك قد تفقد إحساسك بالاتجاه بسرعة في كلتا الحالتين.
بما أنني كنت قد حددت نمطي بالفعل، فلن أتطرق إلى تفاصيل تطوير نمط جديد من الصفر، فهذا سيكون مشروعًا جديدًا في حد ذاته لكنني سأركز على تصميم اللوح بالنمط الذي لدي، وبما أنني قررت صنع متاهة أخرى وهذه المرة من الخشب، كان السؤال المتبقي: كيف؟
لنبدأ إذًا:
النمط التقليدي عادةً ما يكون دائرياً، لكن انحناء الخشب على الرغم من أنه ممكن، إلا أنه مرهق ويستغرق وقت طويل، ويحتاج إلى العديد من الأجزاء بأقطار مختلفة، وهذا ببساطة غير عملي، أي مستحيل.
إنشاء متاهة بنمط أميان مع مسارات بعرض 1 سم سيؤدي إلى حجم إجمالي لا يقل عن 50 سم في القطر، وهو كبير جدًا وغير عملي لسطح المطبخ.
لذلك انتهيت بسرعة إلى استخدام نمطي القديم وتعديله ليأخذ شكلًا مثمنًا "ثمانية جوانب"، لماذا ليس مربعًا؟ لأنني رسمت النمط أولاً منذ سنوات على شكل مربع، والمثمن أكثر جاذبية على الرغم من أنه أصعب قليلاً.
ومع الحفاظ على نسب متاهة شارتر، كنت سأصل إلى نمط بقطر حوالي 40 سم، وهو حجم مثالي.
وقبل سنوات أتيحت لي الفرصة أيضًا للعمل قليلاً في الزجاج المعشق، وفي ذلك الوقت وجدت أنه من الأفضل رسم النمط بالحجم الكامل، ثم قطع الزجاج واستخدام الرسم كقالب، وبهذه الطريقة يمكنك دائمًا رؤية الأماكن التي تنقصها القطع ويمكنك تقدير مدى تناسب الأجزاء بشكل جيد.
لذا قررت أن أفعل الشيء نفسه مع المتاهة، كما أن ذلك جعل من السهل جدًا حساب الأطوال المطلوبة من الخشب لهذا المشروع.
كما ذكرت سابقًا إذا كنت تريد رسم المتاهة التقليدية فمن الأفضل أن تبدأ برسم النمط الأساسي أولاً، مثل نمط "المفتاح اليوناني"، ولكن بحجم أكبر وتعقيد أكثر، ويمكنك رؤية النمط الخاص بي في إحدى الصور.
وإذا كنت تريد الالتزام بشكل الزائد الأساسي، فيجب أن يكون نمطك قابلاً للتقسيم إلى خمسة أقسام، مع التأكد من أن جميع الانعطافات الحادة "التي تغير فيها الاتجاه" تلتقي عند هذه القواطع، أما إذا كنت تود عمل شكل نجمة خماسية فستحتاج إلى نمط مكون من ستة أقسام، وهكذا، وذلك لأن أول وآخر نصف قسم في النمط سينطبقان ظهرًا لظهر، ليشكّلا قسم كامل واحد.
يُشكل المركز في متاهة شارتر حوالي ربع القطر الكلي، لذلك قررت أن أتبع نفس النسبة، ومن هناك تصبح المسألة مجرد حساب بسيط، وكل ما عليك فعله هو رسم مثمن بالأبعاد المناسبة على الورق.
قررت أن أجعل الجدار الفاصل بين مسار الدخول والمسار المؤدي إلى المركز هو خط التقسيم في المتاهة، أي مركز علامة الزائد.
وبمجرد أن يكون لديك الشكل المثمن مع كل المسارات، يمكنك بسهولة نقل الأقسام الخمسة من تصميمك إلى الأقسام الأربعة حول المثمن، ثم توصيل الخطوط فيما بينها.
لكن بالنسبة لي اتضح أن المركز بحاجة إلى توسيع، لأن الانعطافات الحادة لم تكن لتتّسع ضمن المساحات المستقيمة المتاحة بين مدخل المتاهة والمركز، ما استلزم المزيد من المحو والرسم من جديد، وهذا يؤكد مجددًا أهمية رسم نموذج كامل، وربما بالحجم الحقيقي للتأكد من أن الأمور ستسير كما ينبغي.
وبعد الانتهاء من الرسم يمكنك أن تقرر كيف تريد توجيه اتجاه ألياف الخشب عند الانحناءات، أي هل تكون متعامدة على المسار أم موازية له؟ وهل يجب قطع النهايات بزاوية 45 درجة؟ وكذلك الأمر بالنسبة للزوايا المثلثة التي ستُستخدم لتشكيل الشكل المثمن إلى مربع.
وعندما تكون كل التفاصيل واضحة تمامًا من المنطقي إعداد قائمة تقريبية بالخطوات التي يجب اتباعها، حتى لا تنسى أي خطوة أو تنفّذ الأمور بترتيب خاطئ يؤدي إلى نفاد الخشب مثلاً.
كما أن وجود قائمة بالخطوات يسهل عليك التكيف عندما يحدث أي طارئ يعطل سير العمل، ولأن ذلك سيحدث غالبًا فتعرف حينها ما الأمور الأساسية التي يجب أن تظل في الحسبان أثناء إعادة ترتيب خطتك.
وأهم شيء، ركز وخذ وقتك، وفكّر لخمسة خطوات إلى الأمام، وإذا قاطعك أحد واحتاج للمساعدة ساعده، ثم عد إلى عملك، راجعه جيدًا وابدأ من جديد، لأن إذا استعجلت، فغالبًا ستكسر شيئًا أو تؤذي نفسك خاصةً عند استخدام الأدوات الكهربائية.
أكثر الأجزاء المملة في المتاهة هي تلك التي تحتوي على منعطفات، بالإضافة إلى المدخل والمخرج، لذا أرى أن من الأفضل البدء بأصعب الأجزاء أولاً لمعرفة ما إذا كنت ستفشل فيها وربما تنتقل بسرعة إلى مشروع آخر أكثر ملاءمة.
لذلك قررت أن أبدأ بالجزء الذي يحتوي على مدخل المتاهة والمخرج المؤدي إلى المركز، وفي ذلك الوقت لم أكن أعرف كيف سيبدو شكل المركز في النهاية، لذا توقفت عند النقطة التي تنتهي فيها الطريق المؤدي إلى المركز، حيث يمكنك دائمًا إضافة قطع خشبية لاحقًا.
وللحفاظ على الخشب الداكن الثمين قررت أن أقطع جميع القطع بحيث تُشكل تقريبًا مثلثات قصيرة أو شبه متوازيات أضلاع عند لصقها معًا، حتى لا أضطر إلى إهدار الكثير من الخشب عند القص لاحقًا، وفي النهاية اتضح أن الأشكال الناتجة كانت أقرب للمستطيلات، وكنت أتمنى لو أنني منحت كل قطعة هامش أكبر قليلًا، لكنني نجحت في جعلها تناسب التصميم في النهاية.
من الأفضل دائمًا أن تقوم بقياس كل قطعة ورسمها أو تعليمها بدقة، ثم تقيس مرة أخرى وتتحقق قبل القص، لأنك لا يمكنك إطالة الخشب بعد قطعه.
قررت الالتزام بزاوية 90 درجة في قص المسارات، واستخدمت منشار الزوايا المائلة "miter saw" لقص جميع القطع، وتذكر دائمًا أن تتأكد من أن المنشار مضبوط بدقة قبل الاستخدام.
إذا لم تكن قصاتك عمودية تمامًا على السطح الأفقي "أي إذا لم تكن شفرة المنشار عمودية تمامًا" أو إذا لم تكن عمودية على طول القطعة عند ضبط الزاوية على 90 درجة، فستظهر فراغات بين القطع عند لصقها.
لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا لضبط المنشار بدقة قبل بدء القص، لأن الشخص الذي استخدمه قبلي لم يكن يهتم كثيرًا وأساء استخدامه مرارًا وتكرارًا.
وجدت أيضًا أنه من المفيد جدًا قص وتلاؤم معظم القطع واحدة تلو الأخرى، وتجميعها فوق الرسم قبل قص القطعة التالية، وهذه الطريقة تأخذ وقتًا أطول قليلاً لكنها تقلل من احتمالات الخطأ وتحافظ على الخشب الثمين.
عندما انتهيت من قطع وتجميع قطع القسم الأول بنجاح شعرت بالثقة أن باقي الأقسام الثلاثة ممكنة، فبدأت في قص كل القطع واحدة تلو الأخرى لكل قطاع، ثم جمّعت كل جزء فوق الرسم.
لكن ظهرت مشكلة صغيرة، وهي أن شرائح الخشب كانت أثخن قليلًا من 1 سم، وفي البداية كان فرق السمك ضئيلًا، لكن بعد تجميع 10 قطع فوق بعضها، صار الفرق الإجمالي ملحوظ 1 ملم × 10 = 1 سم، مما جعل كل الحسابات الدقيقة تنهار فجأة.
وهنا أصابني الهلع، لأنني أدركت أن الأقسام قد لا تتطابق معًا عند التجميع، فـ اضطررت فعلياً إلى استبدال بعض قطع الأحجية لتفادي فشل المشروع، مما زاد من القلق بالنسبة للأجزاء المتبقية.
وعندما أنهيت عملية القطع جاءت لحظة لصق القطع معًا وكانت هذه واحدة من الأجزاء "المستحيلة" في المشروع، حسب قول البعض: "لن تتمكن أبدًا من محاذاة القطع بشكل صحيح."
مرّة أخرى بدأت بقسم الدخول والخروج، وكما يعرف كل من جرّب لصق قطع خشبية، فإن الغراء يكون زلقًا للغاية عند الضغط على القطع باستخدام المشابك، إذ تحاول القطع أن تنزلق فورًا باتجاه أقل مقاومة للضغط.
ومع قطعتين فقط يكون الأمر مزعج قليلاً ويمكنك استخدام مشبك ثانٍ للمحاذاة، ولكن عندما تتعامل مع عدة قطع يمكن أن تنزلق في ثلاث أو حتى عشر اتجاهات مختلفة يصبح الأمر محبط جدًا، وقد يبدو من المستحيل ضبط جميع الأجزاء بدقة.
لذا، الحل هو أن تنفّذ العملية على مراحل.
قررت لصق كل منعطف في خطوة واحدة لأن أي انزلاق غير ملحوظ يمكن تصحيحه لاحقًا باستخدام الصنفرة، وبهذه الطريقة استطعت تطبيق الضغط باستخدام مشبكين فقط وفي اتجاهين، مما يقلل من الالتواء والفجوات الناتجة عن الانزلاق في الاتجاهات الأخرى.
بعد ذلك جاء دور تكديس المنعطفات وإضافة مدخل ومخرج المتاهة، مجددًا خطوة بخطوة، صحيح أن الأمر استغرق وقتًا أطول لكنه قلل بشكل كبير من الإحباط لاحقًا.
بمجرد الانتهاء من القسم الأول، أصبحت الأقسام الثلاثة الأخرى روتينية "تقريبًا"، حيث تمت إزالة فائض الغراء من كل جانب بالقدر الكافي لجعل الأسطح مستوية من جديد في كل مرة، وبالتأكيد كان هناك عدّة نقاط لم تتطابق تمامًا كما هو مخطط، لكن بما أن الأسطح ستُصنفر لاحقًا على أي حال، فلا يزال هناك أمل.
كانت المقاطع المستقيمة بين المنعطفات من أسهل الأجزاء "أو هكذا قد تبدو للوهلة الأولى" إذ يكفي تجميع عدد من الشرائح الطويلة ولصقها معًا دفعة واحدة، ثم تقطيعها لاحقًا إلى أشكال شبه منحرفة بدقة.
فعلى سبيل المثال إذا بدأت بشريحة خشبية بلون فاتح على الطرف الخارجي وانتهيت بلون داكن في الداخل، فلن يكون من الممكن ببساطة قطع الأجزاء من طول اللوح وقلب بعضها بزاوية 180 درجة، السبب؟ سيظهر اللون الداخلي إما فاتحًا أو داكنًا بطريقة غير متناسقة، والأسوأ من ذلك إذا وضعت جزءً بجانب الآخر فإن المساحات المثلثة الناتجة بين القطع ستكون مهدورة تمامًا.
الحل؟ يجب أن يكون اللون متماثلًا على جانبي رزمة الشرائح، وأن يتم تعليم الأجزاء وقطعها وفق صور معكوسة، بحيث تحقق التماثل المطلوب دون أي فقد غير ضروري في الخشب.
عندما يتم لصق جميع الشرائح معًا، يجب الانتظار ثم القياس والتحقق، ثم القياس مرة أخرى قبل أن تبدأ في قطع الأجزاء.
ونظرًا لأنني لم أكن حريص ولم أفكر جيدًا في البداية، انتهيت بالقيام تمامًا بما حذرت منه، واضطررت لإضافة رزمة رابعة من المسارات المستقيمة، ومع ذلك فلا بأس.
ثم جاء دور الصنفرة قليلاً لتسوية الأمور مرة أخرى.
إذا قمت بتصميم نمط مثير للاهتمام يصبح حينها ممل جدًا عندما لا يوجد شيء في المنتصف سوى مساحة مظلمة، لإنه مثل إطار صورة بدون صورة.
وعند رسم متاهة بالحجم الطبيعي كنت قد صممت أيضًا بعض الأنماط الرائعة للمركز، وانتهى بي المطاف باختيار وردة البوصلة كأفضل خيار، حيث تناسب البوصلة تمامًا لأن المتاهات القديمة غالبًا ما كانت مرتبطة ومتجهة نحو شروق الشمس أو غروبها أو اتجاهات أخرى هامة.
كنت قد قطعت جميع المثلثات الصغيرة البالغة اثنين وثلاثين مثلث كقوالب ورقية لصنع وردة البوصلة، ثم لاحظت أن بعض قطع الورق المقطوعة بالمشرط لم تكن متماثلة، ولكن كيف يمكنني جعلها متماثلة مع سماكة قدرها 3 سم؟ كان ذلك سيكون ممل ولكنه ممكن، ولكن في الخشب الصلب مع سمك 5 ملم على الأقل على الحافة الأقصر وارتفاع 3 سم، كان الأمر سيكون نوعًا من المعجزة، فلم أرغب حتى في التفكير في ذلك.
فقررت أن أجعل كل شيء داكنًا.
ثم قمت بتحضير جميع الأجزاء واحتجت إلى قياس الأحجام النهائية الصحيحة لكل جزء، ونظرًا لأنها كانت أكبر من الرسم بسبب سماكة الشرائح الزائدة كان عليّ إعادة حساب الأبعاد، لذا قمت بذلك عن طريق إعادة بناء الحسابات مباشرةً على الأجزاء، وكنت بحاجة إلى إضافة شرائح داكنة إضافية لملء المنتصف، ثم بنيت الحجم بحيث أنتهي باستخدام سماكات كاملة من شرائح الخشب، ثم قمت بقص ما قد يكون زائد في المنتصف.
ثم قررت أن أضع نجم صغير فاتح في المنتصف، فكرت بأنها قد تكون فكرة جيدة "يمكن فعل ذلك؟ مستحيل" كان هذا هو الرد الذي تلقيته عندما طلبت النصيحة.
لكنني قررت القيام بذلك على أي حال.
باستخدام منشار الشريط "الضخم" قمت بقطع "حوالي 7 مم" بزاوية 45 درجة من وسط الشرائح الداكنة التي كانت في أقرب موضع للداخل في كل قطاع، ثم قمت بتنعيمها، ثم قطعت ثمانية أجزاء مربعة من الخشب الفاتح ولصقتها بنفس اتجاه الألياف في القطع التي قمت بها، وبعد أن قمت بتنعيمها بحيث تتماشى مع مستوى الخشب الداكن، ألصقت الأجزاء الفاتحة "الداخلية" الأخيرة في الأعلى، وكنت أعتقد أن قطع ولصق الأجزاء سيؤدي إلى تشكيل نجم.
ثم يأتي الجزء الأكثر رعبًا لأنه إذا أخطأت في هذه المرحلة، فإما أن تبدأ من جديد، أو تجد طريقة أكثر حكمة للتعامل مع الأمر.
والهدف هو أن تتشكل جميع الأجزاء في النهاية إلى مثمن، وهذا يعني أنك بحاجة إلى التأكد من أن جميع الزوايا دقيقة تمامًا، وبما أن الشكل هو مثمن يجب أن تكون زوايا القطع الداخلية 45 درجة، مما يعني أن الزوايا الأخرى للمثلث هي 67,5 درجة لكل منها، مع الزاوية المكملة 22,5 درجة للجزء الخارجي، لذا أصبحت زاوية 22,5 درجة مهمة عندما بدأت بقطع الأجزاء باستخدام منشار الميتر.
قم برسم جميع خطوط البناء بدقة على كل جزء، واحرص على مسح جميع الخطوط التي لا تحتاج إليها لتقليل احتمال حدوث لبس.
ويجب العلم أنه مع منشار الميتر من الأفضل دائمًا وضع القطع الطويلة من الخشب على الدعامة وقطعها بشكل عمودي على الحافة الطويلة، ويمكنك بالطبع ضبط المنشار لقطع زوايا مختلفة، ولكن دائمًا هناك خطر أن ينزلق شيء قليلاً مما قد يؤدي إلى إفساد العمل.
وفي أحد الأيام قام المشرف ومساعده ببعض القطع التجريبية باستخدام قطع خشب مهدر دون وجودي وأخبروني أنه من المستحيل جعلها تناسب المثمن باستخدام منشار الميتر الحالي لأنه غير دقيق بما يكفي؛ ولكن حينها قمت بالكثير من القطع التجريبية باستخدام قطع خشب مهدر لمحاكاة المثمن، وقمت بإعادة ضبط المنشار مرارًا وتكرارًا، وفي النهاية وصلت إلى نفس الاستنتاج: إذا كانت هناك خطأ بدرجة واحدة فقط في كل قطع، فإن ثمانية أخطاء متتالية تضاف معًا لتشكل زاوية بمقدار ثمانية درجات.
ولكن كان هناك عقبة أخرى مستحيلة يجب التغلب عليها.
بما أن المنشار كان قادر على إجراء القطع العمودية بشكل جيد "مع الضبط المناسب" فـ قررت صنع زاوية 22,5 درجة ووضع كل جزء ضد حافته الخارجية لقطع زاوية 90 درجة بسيطة، وتم صنع الوتد بشكل تقريبي باستخدام منشار الميتر، ثم صنفرته للحصول على الزاوية الدقيقة باستخدام آلة الصنفرة.
وعلى الرغم من أن الزوايا كانت دقيقة إلى حد ما، قررت ترك بضعة ميليمترات إضافية ليتم صنفرته أو تنعيمه حتى تتناسب الأجزاء بشكل مثالي قدر الإمكان.
وهكذا بدأت مشكلة كبيرة أخرى.
أثناء إجراء القطع التجريبية باستخدام الوتد لاحظت أن واقي شفرة المنشار كان دائمًا يعترض النقاط في قطع الأجزاء القطاعية، لذا حصلت على إذن لإبعاد الواقي باستخدام الشريط اللاصق، مما سبب مشكلة كبيرة للمشرف.
ثم قابلتني مشكلة ثانية سريعًا، الآن كانت جميع الأجزاء القطاعية ملقاة على لوح به فتحة في مركز المثمن، وهذه الفتحة ستختفي مع صنفرة الزوائد على كل جانب من جوانب كل جزء، وكانت فكرتي أنني يمكنني تعويض الأخطاء في الزوايا عن طريق صنفرة الأجزاء بشكل تدريجي.
ومع ماكينات الصنفرة الكبيرة والذين كان لديهم جهاز طول حزامه أكثر من متر واحد، لذا كان هناك مساحة كبيرة لتمرير الأجزاء عليه بشكل مريح.
ولكن المشكلة مع ماكينات الصنفرة الحزامية هي عدم دقتها ومعدل الصنفرة عالي، وهذا يعني أن الحصول على الزوايا بشكل صحيح أصبح صعب، لأن الورق المتحرك ليس سطح مستوي حقًا، بل هو سطح إحصائياً قد يكون مائل في بعض الأماكن، مما يعرضك لخطر إزالة الكثير من قطعة العمل بسرعة كبيرة.
لذلك، أخبروني مرة أخرى أنه لا يمكنني تنفيذ الأجزاء القطاعية بهذه الطريقة، لكنني قررت القيام بذلك على أي حال، لأن الوقت كان يمر بسرعة وكان لدي الكثير من العمل المتبقي للقيام به، وبما في ذلك مشاريعي الأخرى.
لذلك قضيت بعض الوقت في ضبط ماكينة الصنفرة بحيث يبقى السطح الجانبي لها بزاوية قريبة قدر الإمكان من 90 درجة بالنسبة إلى الحزام، حتى تبقى القطع رأسية قدر الإمكان أثناء الصنفرة، ولمنع القطع من الانطلاق عبر الغرفة في حال فقدت السيطرة، قمت بإضافة دعامة جانبية ولحسن الحظ لم أحتج إليها أبدًا.
وكما فعلت سابقًا بدأت بالجزء الأكثر أهمية "المدخل / المخرج" ، وقمت بصنفرتهم بدقة قدر المستطاع حتى يتطابق مع العلامات التي حددتها مسبقًا.
ثم واصلت العمل قطعة تلو الأخرى دون صنفرة كاملة لكل جزء دفعة واحدة، وكنت أُعيد تركيب القطع معًا باستمرار لأراقب التقدم، وكانت الطريقة بطيئة لكنها أتاحت لي في النهاية مطابقة جميع القطع معًا بدقة دون أخطاء ملحوظة تقريبًا، وبفجوات شبه معدومة في الزوايا.
بالطبع، لم يكن العمل مثاليًا في النهاية "كما يظهر في الصور" لكن شعرت بارتياح كبير لوصولي إلى هذه المرحلة.
اتضح أن لصق القطاعات كان تحدي آخر بحد ذاته، فكما هو الحال مع قطع الألغاز الصغيرة في البداية، ما إن تضغط على جزء من جهة حتى تبدأ باقي القطع بالتحرك في جميع الاتجاهات، وعندما يكون لديك ثماني قطع تصبح المهمة في غاية التعقيد.
حيث بدأت بالقطعة المفضلة لدي ووضعت عليها الغراء، ثم تابعت ترتيب باقي القطع حولها محاولاً أن أضع كل واحدة في مكانها بدقة، ولكن صراحةً لم تسر الأمور كما كنت أتمنى، وهذا أقل ما يمكن قوله بطريقة متفائلة.
وبعد الانتهاء من تركيب الشكل الثماني استخدمتُ حزامًا من النايلون لزيادة الضغط بشكل تدريجي من الأطراف نحو الداخل، وكانت العملية بطيئة وتتطلب الكثير من إعادة التعديل المستمرة للقطع، مرة تلو الأخرى، حتى تطابقت الزوايا واستقرت الأجزاء في مكانها بشكل مقبول.
وبعد أن جفّ الغراء مع أن بعض الأجزاء تحركت قليلًا كما هو متوقع، بدأت مرحلة الصنفرة المعتادة، وفي هذه الحالة كان عليّ تعديل بعض الزوايا لتصبح مستقيمة، وفي النهاية النتيجة لم تكن مثالية لكنها كانت مرضية بما يكفي.
نظرًا لرغبتي في الحصول على لوح تقطيع مستطيل الشكل كان لا بد من تحويل المثمن إلى شكل أقرب إلى المربع، ولتحقيق ذلك أضفت قطعة خشبية مثلثة إلى أربعة من جوانبه، وبدلًا من لصق شرائح متعددة من الخشب الفاتح فوق بعضها، قمت بقص المثلثات من قطعة متبقية من ألواح خشب الدردار التي تم استخدامها سابقًا في صناعة الشرائح، وقد تم قطع هذه المثلثات بحيث يكون اتجاه الألياف الخشبية موازي لمسارات المتاهة، حفاظًا على التجانس البصري والصلابة البنيوية.
بعد ذلك، جاءت مرحلة التلصيق والصنفرة المعتادة، لكن هذه المرة باستخدام آلة الصنفرة ذات الحزام العريض، وذلك لضمان بقاء حواف اللوح مستقيمة وزواياه قائمة، وبحسب مشرف الورشة ومساعده كانت العملية تبدو مقلقة بعض الشيء أثناء التنفيذ، ولكن لحسن الحظ كان لدي بالكاد ما يكفي من شرائح الخشب الداكن لصنع إطار يحيط بمسارات المتاهة، فاستغليتها بالكامل لذلك الغرض.
كما أدركت لاحقًا أن هذا الإطار لا يضفي فقط لمسة جمالية، بل يعزز من صلابة البناء ككل.
ورغم أن الإطار الداكن أضفى لمسة مميزة على اللوح، إلا أنه بدا لي وكأنه ما زال غير مكتمل، ولأنني كنت أرغب في أن يكون الشكل النهائي مستطيلًا تمامًا، أضفت شريحتين من الخشب الفاتح على كل جانب، ثم أضفت شريحة أخرى في الأعلى وأخرى في الأسفل، وبين كل خطوة وأخرى عدت إلى التلصيق واستخدمت آلة الصنفرة بالحزام لتسوية الحواف وضمان استقامة الشكل.
وهكذا، انتهيت "تقريبًا".
بالطبع لم يكن اللوح قد اكتمل تمامًا بعد، لكن لم تعد هناك تعقيدات، فكل ما تبقى من العمل أصبح بسيطًا وسلسًا.
مع كثرة مراحل القطع واللصق والصنفرة التي مررت بها للوصول إلى اللوح النهائي، لم تتطابق جميع الأسطح بشكل مثالي، بالطبع بسبب الانزلاق تحت الضغط، ارتفعت بعض القطاعات أو انخفضت قليلًا، مما أخرجها عن المحاذاة المثالية.
لذلك كان لابد من إزالة حوالي مليمتر واحد من كل جانب من اللوح للحصول على سطح مستوٍ ومتجانس، وتمت هذه العملية باستخدام آلة صنفرة كهربائية، مع استخدام ورق صنفرة بدرجات خشونة متزايدة حتى أصبح السطح ناعم ومريح عند اللمس، ولم أرغب في الحصول على سطح لامع كالمرآة، لذا توقفت عند ورق صنفرة بدرجة خشونة 400.
وأخيرًا، تم الانتهاء من التشطيب بزيت التنغ الذي يمنح الخشب لمعانًا رائعًا ويبرز جمال الألياف، ثم أُعطي اللوح طبقة نهائية من زيت بذر الكتان لتقوية السطح وجعله أكثر متانة، وهكذا انتهيت من العمل وأخذت اللوح إلى المنزل لأريه للعائلة، فقالوا لي مازحين إنهم سيقطعون يدي إذا وضعت طرف سكين على اللوح، وبالفعل قضى اللوح فترة قصيرة على الرف كقطعة عرض، ثم قضى وقتًا أطول في القبو لأنه كان دائمًا في طريقنا، وهذا الوضع استمر حتى قررت أن أحوله إلى طاولة جانبية.
هل لاحظتوا واقي شفرة المنشار المثبت بالشريط اللاصق في الصورة الأولى؟ لقد ثبتته بهذا الشكل لأنه كان يعلق بطرف الأوتاد التي قطعتها، لكن لا تفعلوا هذا أبدًا، فالواقي موجود ليحمي أصابعكم ويمنع وقوع الحوادث، وباختصار هو شيء مهم جدًا.
حيث تبقى بعض القطع الخشبية الصغيرة بعد تقطيع القطاعات المختلفة، وبالطبع لم أرغب في رميها، لذا قررت أن ألعب وأرتب هذه القطع لأرى إن كان بإمكاني صنع لوح تقطيع آخر منها.
في النهاية رتبت القطع الخشبية المتبقية على شكل بيضاوي داخل كيس، ثم سكبت فوقها كمية وفيرة من الإيبوكسي، ووضعت طوبة ثقيلة عليها حتى لا تطفو الأجزاء أثناء التصلب، ثم نسيت الأمر لبعض الوقت.
وبذلك، لم يتبقَّ من الخشب المهدور فعلياً سوى ما يمكن أن تحمله كفّ اليد.
وبعد عدة أشهر وبينما كنت قد صنعت مزلاجًا لتسوية بعض قطع جذوع الأشجار الكبيرة باستخدام الراوتر، صادفت تلك الكتلة الصلبة، وبعد أن أزلت التغليف البلاستيكي عنها، قررت أن أُسوي سطحيها لأرى إن كانت تستحق الاحتفاظ بها.
والنتيجة كانت مفاجِئة نقش جميل، فني، ومميز، ومنذ ذلك الحين بدأنا نستخدمها مرارًا كصينية للتقديم أو كقاعدة للأواني وأطباق الطعام.
إذا كنت لا تريد إحداث أي ضرر في سطح الطاولة العلوي، فستكون خياراتك محدودة جدًا عند تصميم الجزء السفلي والأرجل، ولأن الهدف كان صنع طاولة جانبية منخفضة توضع بجانب الأريكة، لم يكن هناك قلق كبير بشأن تحمل أوزان ثقيلة أو الحاجة إلى بنية فائقة المتانة، ومع ذلك من المهم أن يظل السطح العلوي ثابتًا في مكانه ولا ينزلق عن القاعدة بأي حال من الأحوال.
في السابق، عندما صنعت الطاولات من شرائح جذوع الأشجار اشتريت كراسي بثلاثة أرجل من نوع رخيص، وكانت أرجلها منحنية ومصنوعة من الخشب، فـ قمت بتثبيتها مباشرة في الشرائح وكانت النتيجة جيدة، ولكن عندما وضعت لوحة المتاهة على واحدة من هذه القواعد لم يكن المظهر مُرضياً.
أما في قطعة الكرز التي صنعتها فقد صممت لها قاعدة بثلاثة أرجل، لكن مع سطح مستطيل مثل هذا تبدو الأرجل الأربعة أكثر تناسقًا من الناحية الجمالية.
لذلك بحثت عبر الإنترنت عن بعض التصاميم ذات الأربع أرجل، ووجدت بعض الأفكار، لكنها لم تكن مقنعة تمامًا.
وفي أحد الأيام وأثناء عودتي إلى المنزل صادفت إطار سرير خشبي قديم ومكوّن من شرائح، كان أحدهم قد وضعه على الرصيف أمام منزله، ويبدو أن عمال النظافة نسوه هناك، ولأن الخشب كان بحالة جيدة، قمت بتفكيك الإطار وأخذت القطع إلى البيت لاستخدامها لاحقًا في مشروع ما.
وبينما كنت أتأمل خطوط المتاهة في اللوح خطرت لي فكرة أن أصنع قاعدة الطاولة الصغيرة من شرائح الخشب المماثلة في السمك، بحيث تشكّل بنية متناسقة مع التصميم العلوي.
كنت أرغب في تصميم بأربع أرجل، بشرط أن تكون:
فكرت أن الأرجل المائلة قطرياً من مركز السطح العلوي قد تمنحني الارتفاع المطلوب، فانطلقت من هذه الفكرة وبدأت التنفيذ.
كانت الشرائح الخشبية منحنية قليلاً، لكن عندما قمت بلصق شريحتين معًا، توازن الانحناء وأصبحت القطع قوية بما يكفي لتحمل الوزن دون أن تنكسر، ولا لم أقم بلصق كل الشرائح معًا بشكل عشوائي.
بدلاً من ذلك صممت هيكل خفيف الوزن لكن قوي ومتين، يعتمد على قطاعات كبيرة معززة مزدوجة، مدعومة بدعائم مفصلية في المنتصف ويمكن طيها بين الأجزاء الأكبر بحيث يمكن تفكيك القاعدة بسهولة في حال الحاجة لنقل الطاولة.
ولأنني أردت تجنب استخدام براغٍ أو مسامير دائمة التثبيت، قررت استخدام المسامير الفولاذية الصغيرة الشهيرة التي تأتي مع رفوف IKEA، وهي متوفرة بشكل كثير وعملية.
وليتناغم التصميم مع خطوط المتاهة في سطح الطاولة، حرصت أن يكون فيه زوايا قائمة وزوايا بزاوية 45 درجة، فعند تثبيت المفصلات في وسط السطح المستطيل وتوجيه الأرجل بزاوية 45 درجة نحو الزوايا، وصلت لارتفاع يبلغ نحو 45 سم، وهو مثالي لطاولة جانبية منخفضة.
كانت المشكلة الوحيدة التي واجهتني هي الشكل المستطيل للوح العلوي، لكن تداركت الأمر ببساطة من خلال تعديل زوايا التقاء الأجزاء في المنتصف بما يتناسب مع التصميم، ولتسهيل العملية وتفادي الأخطاء قمت برسم التصميم بالحجم الحقيقي على ورقة، وهذه الخطوة كانت مفيدة جدًا فقد ساعدتني على اكتشاف أي خلل مبكرًا وضبط الزوايا غير المستقيمة بدقة، إلى جانب قياس المسافات الناتجة بشكل سليم.
قطعت جميع شرائح الخشب باستخدام منشار اليدوي وثبتها بمشبك عمل على طاولة النجارة، حتى أنني استخدمت المشبك القديم الخاص بوالدي فتصميمه لا يزال مدهشًا حتى اليوم، ثم نظّفت جميع الأسطح بورق صنفرة متوسط الخشونة باستخدام الصنفرة الكهربائية، لإزالة الطلاء القديم وتحسين التصاق الغراء بالخشب.
أما الزوايا فقد قمت بتدويرها باستخدام مبارد يدوية بسيطة، وحضّرت قالبًا لضمان أن جميع الثقوب في الشرائح ستكون في المواقع ذاتها تمامًا على كل القطع، واستخدمت المثقاب الثابت لحفر الثقوب، حتى أتأكد من أن كل فتحة عمودية تمامًا.
وأخيرًا، وبعد تجميع القطع مرارًا وتكرارًا للتأكد من دقة التركيب وتطابق الأجزاء، بدأت مرحلة التثبيت بالغراء.
عادةً ما أبدأ بأصعب الأجزاء أولًا، وهذا ما أفعله في معظم مشاريعي، وفي هذه الحالة كانت الدعامات القطرية العلوية في الطاولة من العناصر الحساسة، فهي التي تحمل القطع المفصلية الموجودة أسفلها، ويجب أن يُزال جزء صغير من كل دعامة منها، بحيث يمكن تجميعها معًا لاحقًا.
هذا الجزء المُزال يجب أن يكون دقيقًا للغاية، لأن درجة إحكامه تؤثر بشكل مباشر على ثبات الطاولة الجانبي في المرحلة النهائية.
تم تنفيذ القطوع الرأسية باستخدام المنشار حتى عمق يعادل نصف عرض الشريحة الخشبية من الأعلى في إحدى القطعتين، ومن الأسفل في الأخرى، ثم استخدمت الإزميل لإزالة ما تبقّى من الخشب في كل قطعة، وقمت بتسوية الأسطح وتنظيفها باستخدام مبرد يدوي.
بعد تركيب القطعتين معًا، بدا أن الشكل النهائي قد يتناسب جيدًا مع سطح الطاولة في النهاية، وكما هو متوقّع في مثل هذه الأعمال الدقيقة أزلت كمية أكثر مما ينبغي، واضطررت لتصحيح الخطأ لاحقًا.
جاءت بعد ذلك مرحلة حفر الثقوبگ ٹبالنسبة للدعامات القطرية العلوية والأرجل كانت العملية سهلة نسبياً باستخدام قياسات دقيقة ومثقاب الطاولة.
أما لأطراف الأرجل العلوية التي تتصل بالمفصلات والدعامات، فقد صنعت أداة مساعدة بسيطة باستخدام قطع خشبية متبقية، حفرت فيها فتحة باستخدام رأس مثقاب دائري بقطر يتسع تمامًا لعرض إحدى الشرائح ثم ثبتّها على قطعة أخرى، وركّبت المجموعة بالكامل تحت المثقاب في وضع مركزي ومحكم، وبهذا الترتيب تمكنت من حفر الثقوب بنفس الموقع تمامًا على جميع القطع، وبسرعة وكفاءة.
الخطوة المنطقية التالية كانت بالطبع تجميع كل الأجزاء معًا، وبما أن التصميم بسيط إلى حد كبير، فقد احتجت فقط إلى اثني عشر مسمارًا من النوع المستخدم في الرفوف بشكل عام، ونظرًا لأن الثقوب حُفرت باستخدام مثقاب الطاولة، كانت المسامير تنطبق بإحكام، مما جعل عملية التجميع سهلة وسريعة.
وعند وضع سطح الطاولة فوق القاعدة بدأت ملامح الشكل النهائي تظهر بوضوح، لكن في هذه المرحلة لا يزال بالإمكان انزلاق السطح بسهولة من مكانه.
في البداية كانت نهايات الدعامات القطرية العلوية عبارة عن كتل مستطيلة غير متساوية، ولإنهاء الطاولة بشكل أنيق كان من الضروري تشكيل هذه النهايات لتتناسب مع زوايا سطح الطاولة، وبما أن السطح مستطيل الشكل لم يكن من الممكن الاكتفاء بقطع الزوايا بزاوية 45 درجة.
فبدلاً من الاعتماد على القياسات والحسابات المملة، قمت بوضع سطح الطاولة فوق القاعدة الجديدة، ثم حدّدت الزوايا بالقلم الرصاص، وبعد ذلك قطعت الزوائد باستخدام المنشار اليدوي.
ولمنع سطح الطاولة من الانزلاق والسقوط عن القاعدة كان لا بد من صنع زوايا تمنعه من التحرك، ولجعل هذه الزوايا غير بارزة قدر الإمكان، استخدمت قطعًا من ألومنيوم بسمك 1 ملم وارتفاع 1 سم، بزاوية 90 درجة، وكانت لدي من مشروع سابق لفكرة التنسج الشدّي "tensegrity" الذي لم ينجح بسبب مشاكل في الثبات.
قمت بقص هذه القطع إلى أجزاء قصيرة، ثم قطعت في وسطها مثلثات بزوايا 90 درجة وقمت بثنيها لتتناسب مع زوايا سطح الطاولة على شكل المتاهة.
بعد حفر ثقوب صغيرة فيها باستخدام مثقاب كهربائي صغير تم تثبيت هذه الزوايا بمسامير على الدعامات القطرية بحيث تمسك بالسطح بإحكام.
ولحماية سطح الطاولة من الخدوش غطيت الزوايا بطبقة رقيقة من ورق لاصق شفاف وهو نفس النوع المستخدم عادة لحماية الكتب في المدارس، وهذه الطبقة اللاصقة أضافت قوة احتكاك تساعد على رفع الطاولة كاملة من السطح دون أن تنزلق القاعدة.
كخطوة نهائية قمت بتغطية كامل القطعة بطبقة من زيت بذر الكتان، ثم تم تلميعه حتى أصبح ناعمًا ونظيفًا، وعندما رأت ابنتي الطاولة طالبت بها على الفور واعتبرتها ملكها.
كان هذا المشروع طويلًا سواء من حيث الجهد أو الوقت، ولكنني استمتعت كثيرًا بصنع المتاهة الخشبية لأنها كانت تحديًا كبيرًا خاصةً بعدما قيل لي مرارًا أنني سأفشل، ولكني لم أفشل.
أحيانًا يكون الإصرار ومتابعة ما تريد رغم آراء الآخرين أمرًا مجزياً بالفعل، حيث كان المشرف ومساعده على الأرجح يشعران براحة كبيرة عندما سمحوا لي بالانتهاء، خاصةً بعدما استخدمت آلة صنفرة حزامية طولها 30 سم لصقل قطعة خشب الكرز المجوفة القديمة التي يبلغ قطرها 40 سم.
بناء أرجل الطاولة كان أيضًا ممتعًا جدًا، فابتكار تصميم خاص بك ثم جعله يعمل على أرض الواقع يمنحك شعور بالرضا لا يوصف، كما أن اتباع أسلوب بسيط وعملي في التصميم له جاذبيته الخاصة.
وفي هذا الجزء من المشروع كان من المهم بالنسبة لي استخدام مواد غير مستخدمة من قبل، أو معاد تدويرها من مخلفات، ونجحت في ذلك بشكل جيد، لذا أنا سعيد بتصميم المتاهة وكيف تمكنت من تنفيذه خشبياً، وأيضًا كيف انسجم مع قاعدة الطاولة.
لذلك ابقى دائمًا متحمسًا ومفتونًا بما تصنع.
تسجيل الدخول مطلوب
يجب عليك تسجيل الدخول لإضافة تعليق.
تسجيل الدخول